محافظاتمقالات

زوجت 8 فتيات وما زالت تصارع من أجل البقاء… «أم أشرف» 70 عامًا تبيع الكراتين ليلًا حتى صلاة الفجر بشوارع قنا (فيديو وصور)

سمر مكي

بعد منتصف الليل في مدينة قنا نجد الهدوء يسكن شوارعها والبرد القارص يملأ اجوائها فالمحلات مُغلقة وحركة المارة تقل تدريجيًا، لكننا وسط تلك الظروف نجد سيدة عجوز في السبعينيات من العمر بملابسها السمراء وشالها التي ترتديه للحماية من البرد وملامحها الشاحبة التي قتلها الشقاء والتقدم في العمر، ممسكة بكفيها الذي لا تنقطع عنه الرعشة عصى من الخشب تجر بها تروسيكل غير آدمي وتطوف به في الشوارع سيرًا على الأقدام بإبتسامتها البسيطة المرسومة على وجهها طوال الوقت رغم الظروف القاسية وعملها الشاق لتبدأ رحلتها في جمع ورق الكرتون الفارغ من المحلات وبيعه في السوق للإنفاق على أسرتها دون اللجوء لمساعدة أحد.

 

لم تكن تعلم السيدة «أم أشرف» صاحبة ال70 عامًا، والمقيمة في بندر قنا، بائعة ورق الكرتون الفارغ من الساعة 12 ونصف بعد منتصف الليل حتى آذان الفجر، أن ذلك سوف يكون مصيرها، فقد كانت لا تعلم عن الشقاء شيئًا تربت وتعلمت في أسرة لديها ما يكفيها من المال بل وترك لها والديها أراضي وشقق سكنية ميراث لها كبقية إخوتها، إلا أن الزمن حولها لسيدة “رحالة من شغلانة لشغلانة ومن شارع لشارع” حتى أصبحت بائعة ورق الكرتون منذ 7 أعوام وتمكنت من زواج 8 فتيات بناتها وبنات ابنتها الكبرى بمفردها.

قصة أم أشرف بائعة الكراتين في قنا

التقت «الصعيد لايف» بالسيدة العجوز أثناء عملها في شوارع قنا بعد منتصف الليل وبدأت حديثها معي بإبتسامة خفيفة ثم قالت: “أنا راضية بقضاء الله وبعملي وما يهمني أن لا أنتظر المساعدة والشفقة من أحد فأولادي وأولاد بنتي أمانة في رقبتي ولازم أشقى لتوفير كافة متطلباتهم ولولا مرضي كنت اشتغلت ليلًا نهارًا لجعلهم يعيشون في حياة كريمة كما أنا تربيت”

وأضافت السيدة «أم أشرف»، أنها وُلدت وتربت في أسرة متوسطة حتى تزوجت في العشرينات من عمرها وأنجبت 4 فتيات وولد، كانت تعيش حياة هادئة في السنوات الأولى من زواجها ولكن فجأة وقعت عدة مشكلات اضطرتها تغادر منزل زوجها مصطحبة أطفالها ليعيشوا معها في مسكن بسيط دون الطلاق منه، لكن المسئولية زادت عليها والمتطلبات والمصروفات اشتدت على عاتقها فبدأت في بيع ممتلكاتها لتوفير مستلزمات أطفالها وظلت هكذا في البيع حتى قررت النزول للعمل في الشوارع بمدينة قنا لإيجاد مصدر رزق يساعدها على المعيشة.

وذكرت السيدة العجوز، أنها فكرت كثيرًا في خطوة العمل لعدم خبرتها السابقة لكنها في النهاية ضحت وصارعت من أجل البقاء فلديها ابنة مريضة بالتضخم في القلب وتحتاج لعلاج يتخطى الألف جنيه شهريًا، إضافة إلى مرضها بالسكر والكلى والركبة نظرًا لتقدمها بالعمر والشقاء سنوات طويلة سيرًا على قدميها في الشوارع، حيث بدأت العمل ببائعة حلويات أمام المدارس للتلاميذ والطلاب واستمرت هكذا عدة أعوام حتى يأست من معاملة المرافق وقررت العمل في مهنة أخرى ولا تستسلم للظروف.

 

لجأت السيدة «أم أشرف» بعد ذلك إلى بيع الكراتين بمنطقة البنزيون ببندر قنا منذ 7 أعوام يوميًا تخرج من منزلها بعد منتصف الليل تنتظر أصحاب المحلات الذين اعتادوا عليها ويُخرجون لها الكرتون بالمجان في الشارع لتحمله على التروسيكل وتظل هكذا حتى آذان الفجر ثم تستعين بمواصلة أخرى لتوصيلها إلى الشادر الذي يبعد عن مسكنها 5 كيلو مترات لبيع ما قامت بجمعه طوال الليل وتعود إلى منزلها في الصبح لتتولي أعمال منزلها.

وأوضحت «بائعة الكراتين» أنها تمكنت من شقائها أن تزوج بناتها الأربعة وتولت مسئولية أبناء ابنتها الكبرى حتى زوجتهم الأربعة أيضًا لمرور والدهم بظروف قاسية مفاجئة بعد اشتعال حريق في الأكشاك التي كان يملكها والنيران دمرت جميع البضائع التي كانت بهم، ونظرًا لشرائها من اصطحابه لقروض من البنوك وتعثره في السداد سافر ولم يعد حتى الآن بعد الحكم عليه بالسجن في أكثر من قضية، لذلك اعتبرت أبناء ابنتها مثلها ووقفت بجوارها حتى الآن تتولى مسئولية الإنفاق عليها وعلى أسرتها.

وختمت السيدة العجوز حديثها مع «الصعيد لايف» بذات الإبتسامة قائلة: أنا مش محتاجة مساعدة من أحد ولا أطلبها إلا من الله سبحانه وتعالى وراضية بقضائه ولم أذهب لأي مسئول طوال حياتي وفضلت العمل لتوفير لقمة العيش وأنها مستمرة في العمل حتى أخر عمرها لأنها ما زالت تحتاج للمال فمعاشها كأرملة بدأ من عشرين عامًا بعد سنوات من البعد عن زوجها والعيش بمفردها لا يكفي شيئًا كونها لديها ابنة مريضة وهي تعاني من السكر والكلي ووجع عينيها وتحتاج لهم علاج شهريًا إضافة لمصروفات أسرة ابنتها الكبرى لذا سوف تعيش طوال عمرها تصارع من أجل البقاء”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى